شؤون إسبانيةرياضةسلايدر

الملكي والجنرال.. كيف استخدم فرانكو “ريال مدريد” لتعزيز الدكتاتورية في إسبانيا؟

أخبار إسبانيا / يُعد الجنرال فرانسيسكو فرانكو مثالًا يحتذى به للدكتاتوريين في كيفية استخدام الرياضة لتعزيز السلطة؛ إذ إنه لم يكتفِ باستخدام كرة القدم كأداة لإلهاء شعبه عن المشاكل السياسية فقط، بل تعددت استخدامته لكرة القدم داخليًا وخارجيًا؛ فقد استخدم «ريال مدريد» كأداة سياسية لرفع شعبيته ولقمع الأقاليم المعارضة، وكأداة دبلوماسية تُحسن صورة إسبانيا في الخارج، وتِخرجها من عزلتها الدولية، واستخدم المنتخب الإسباني لكسب مزيد من المجد لنظامه بعد انتصاره على منتخب الاتحاد السوفيتي الشيوعي في مباراة ذات أبعاد سياسية كثيرة.

سنحاول في هذا التقرير تسليط الضوء على استخدامات نظام فرانكو الفريدة لكرة القدم، وتدخلاته في مباراة ريال مدريد وبرشلونة التي انتهت بفوز مدريد 11-1، ودوره في صفقة انتقال دي ستيفانو التي جعلت ريال مدريد على قمة كرة القدم الأوروبية.

من هو فرانكو.. وما هو سبب عدائه لبرشلونة؟

وصل الجنرال فرانسيسكو فرانكو إلى الحكم عام 1939، بعد أن أطاح بحكومة «الجبهة الشعبية» (اليسارية) المُنتخبة التي كانت تحكم إسبانيا عام 1936م بانقلاب عسكري؛ مما تسبب في إشعال حرب أهلية استمرت ثلاث سنوات، راح ضحيتها ما يقرب من 500 ألف مواطن، وانتصر فرانكو في النهاية على الجبهة الشعبية بمساندة هتلر وموسليني، وحكم إسبانيا بالحديد والنار لأكثر من ثلاثة عقود، من عام 1939 وحتى وفاته عام 1975. وبسبب تحالفه مع الفاشية والنازية في بداية الحرب العالمية الثانية، تعرض لعزلة دولية بعد انتهاء الحرب، وأصبح منبوذًا من أوروبا والفاتيكان.

وكانت مدينة برشلونة، عاصمة إقليم كتالونيا، من أكبر معارضي نظام فرانكو؛ فقد كان شعبها يكره نظام فرانكو، وسعى إلى الانفصال عن إسبانيا لتأكيد هويته الكاتالونية المستقلة بحسبه. ليس هذا فحسب، فعداء برشلونة لفرانكو له أسباب كثيرة؛ إذ أعدم فرانكو 10 آلاف شخص من أعضاء لواء مكافحة فرانكو في برشلونة خلال أسبوع واحد فقط، وأطلق النار على 25 ألفًا آخرين، بعد إعلان وقف إطلاق النار في المدينة، وأعدم رئيس نادي برشلونة جوزيب سونيول بدون محاكمة، واستمرت عمليات الإعدام في أربعينات وخمسينات القرن الماضي.

فرانكو
الجنرال فرانسيسكو فرانكو

ونظرًا لاستخدام إقليمي كتالونيا والباسك فرق كرة القدم الأشهر للتعبير عن هوياتهما الثقافية ومعارضتهما للنظام الفاشي علانيةً، شعر فرانكو أنه بحاجة إلى نادي كرة قدم إسباني يعكس أيديولوجياته؛ فاختار ريال مدريد، الذي سيصبح سلاحه السحري داخليًا وخارجيًا.

من يسيطر على كرة القدم.. يسيطر على الجماهير

أدرك فرانكو فاعلية كرة القدم كوسيلة لإلهاء شعبه عن السياسة، فعند أوقات الاضطراب وعدم الرضا عن النظام، كان فرانكو يبث المباريات مباشرًة في جميع أنحاء إسبانيا (كانت خدمة غير اعتيادية آنذاك)، وغالبًا ما تكون مباريات لريال مدريد، ليصبح الشعب الإسباني منشغلًا للغاية بالترفيه لدرجة أنه سيتجاهل أي شيء آخر.

ولعل الاقتباس الذي ذكره الصحافي الإسباني جِييَم مارتينيز عن والده، «اللقطاء! يتحدثون عن كرة القدم، عليهم أن يتحدثوا عن السياسة»، يُبين فاعلية الاستراتيجية التي استخدمها فرانكو لإلهاء شعبه، فبمجرد إجراء مباراة كرة قدم مثيرة، يتحول الرأي العام للحديث عن المباراة حتى لو كان الشعب يعاني من مشاكل كبيرة.

بعد الحرب الأهلية الإسبانية، نُبذت إسبانيا في المجتمع الدولي، وأصبحت غير مرحب بها على أبواب الأمم المتحدة والفاتيكان حتى خمسينات القرن العشرين. وبسبب ريال مدريد لم تعد إسبانيا منبوذة؛ إذ قال وزير خارجية فرانكو في ذلك الوقت، فرناندو ماريا كاستيا: «إنه أفضل سفارة حظينا بها».

وعلى جانب آخر، قال كاتب كرة القدم سيمون كوبر: «من السخف الاعتقاد بأن ريال مدريد كان فريقًا فاشيًا، أو أن فرانكو تلاعب بنتائج المباريات ودفع رشى لصالح ريال مدريد»، مُضيفًا: «لم يكن بحاجة إلى ذلك، لكنه خلق البيئة التي يمكن أن يزدهر فيها فريق العاصمة ريال. فالدكتاتوريون يميلون إلى تركيز مصادر نفوذهم: الجنرالات، والشرطة السرية والبيروقراطيين، في عواصمهم»، ويتابع كوبر: «كانت منطقة الشخصيات الهامة (VIP) بالمباريات الخاصة بفريق ريال مدريد مملوءة دائمًا بصانعي القرار في البلاد».

هل تدخل فرانكو في فوز ريال مدريد على برشلونة 11-1؟

قد يدل ما حدث في عام 1943 على أحد أبرز التدخلات السياسية بكرة القدم؛ فعندما التقى ريال مدريد وبرشلونة في الدور نصف النهائي من كأس الجنرال فرانكو، فاز برشلونة بمباراة الذهاب 3-0، وقبل مباراة الإياب في مدريد فوجىء فريق برشلونة بزيارة المدير العام للأمن الوطني، والذراع الأيمن للجنرال فرانكو، قبل بداية المباراة، بغرفة خلع ملابس برشلونة، والذي قال لهم: «لا تنسوا أن النظام يتكرم على بعضكم، ويسمح لهم باللعب، رغم افتقارهم للوطنية»، ويجب التنويه أن هذا التهديد كان في ظل قانون المسؤوليات السياسية، الذي كان يضع أي شخص لم يكن ولاؤه التام للنظام في بداية سيطرة النظام بدائرة الاشتباه.

يرجع البعض سبب الأجواء المشحونة في مباراة الإياب إلى ما حدث في مباراة الذهاب بملعب برشلونة التي انتهت بهزيمة ريال مدريد 3-0، وشهدت هتافات هجومية على لاعبي ريال مدريد، وتشير بعض التقارير أن الهتافات طالت فرانكو شخصيًا؛ مما دفعه للتدخل في مباراة العودة، رغم اعتذار برشلونة على ما بدر من جماهيره بعد اللقاء.

ولكن هذا الاعتذار لم يقنع الإعلام المدريدي الذي حرض لرد الاعتبار لما حدث في ملعب برشلونة، وشهدت مباراة الإياب هتافات عنيفة وصلت لتهديد اللاعبين؛ مما دفع لاعبي برشلونة بالابتعاد عن حدود الملعب خوفًا من تهديدات الجماهير، حتى أن حارس المرمى كان يبتعد عن مرماه معظم أوقات المباراة بسبب قذائف الجمهور، بالإضافة إلى تهديداتهم باقتحام الملعب.

وقد تفسر هذه المعلومات تصريح ريتشارد فيتزباتريك، مؤلف كتاب El Clasico: Barcelona v Real Madrid: Footballest Rivalry: «حارس مرمى برشلونة غامر بالخروج حتى منتصف الملعب في معظم أوقات المباراة».

وقالت أرملة حارس مرمى برشلونة، لويس ميرو، في حوار بعد مرور سنوات مع الصحافي كزافيير لوكي: «استمر مهاجمو ريال مدريد في الضغط كما لو كانت مباراة طبيعية. لذا أعطاهم ميرو الكرة، وطلب منهم التسجيل إذا أرادوا ذلك، بالنظر إلى أنهم بدوا حريصين على إذلال خصومهم. رفض مهاجمو ريال مدريد هذا العرض، لكن ذلك لم يمنع حدوث أكبر نتيجة في تاريخ «الكلاسيكو»: 11-1.

أنكر الإعلام المدريدي كل التقارير التي تحدثت عن عدم نزاهة المباراة، واعتبروها مباراة كرة القدم طبيعية وذكروا أن فريق إشبيلية سبق وأن فاز على برشلونة بنفس النتيجة 11-1 قبل ثلاث سنوات من تلك المباراة، وسبق وأن خسر برشلونة بنتيجة 12-1 من فريق أتلتيك بلباو عام 1931.

فرانكو في فوز ريال مدريد على برشلونة 11-1

دي ستيفانو انتقل لريال مدريد رغم توقيعه لبرشلونة!

كان نجاح ريال مدريد في بداية فترة حكم فرانكو محدودًا نوعًا ما، ولكن الأمور تغيرت بعد انتقال ألفريدو دي ستيفانو إلى مدريد عام 1953، «اللاعب الذي غيّر مصير ريال مدريد» على حد وصف رئيس نادي ريال مدريد الحالي فلورنتينو بيريز. ولكن كيف انتقل دي ستيفانو لريال مدريد رغم توقيعه مع برشلونة واعتماد الفيفا للتوقيع ومشاركته في مباراتين بقميص برشلونة؟

ربما لا شيء يجسد اتساع نفوذ فرانكو أفضل من المعركة المطولة بين برشلونة وريال مدريد للتوقيع مع ألفريدو دي ستيفانو. كان كل من برشلونة وريال مدريد مهتمين بدي ستيفانو بعد أن شارك في بطولة ودية في إسبانيا بقميص نادي ميلوناريوس الكولومبي، وأعلن ريفر بليت أنه من يمتلك حقوق دي ستيفانو، الذي هرب إلى ميلوناريوس قبل ثلاث سنوات عقب إضراب لاعبي كرة القدم في الأرجنتين. تفاعل برشلونة بسرعة من خلال المحامي الكاتالوني رامون ترياس فارجاس، وتوصلوا بسهولة إلى اتفاق نقل مع ريفر بلايت، الذي كان لا يزال يمتلك حقوق دي ستيفانو وفقا للفيفا.

ومع ذلك، كانت هذه الاتفاقية مشروطة بموافقة نادي ميلوناريوس الكولومبي. ولذلك سعى فرانكو إلى تعطيل تقدم برشلونة من خلال كشاف مواهب برشلونة «جوزيب ساميتير»، الذي كان يعمل لصالح فرانكو، وعمل ساميتير مع جوان بوسكيتس (المفاوض لصالح برشلونة) لإفشال صفقة انتقال دي ستيفانو لبرشلونة. إذ قدم بوسكيتس عرضًا منخفضًا للغاية للنادي الكولومبي؛ مما سمح لريال مدريد بالتوصل إلى اتفاق مع الكولومبيين. وفي المقابل، لم يفعل رئيس برشلونة مارتي كاريتو شيئًا يذكر لحسم الصفقة؛ مما دعم رواية ترياس فارجاس بأن كاريتو كان يعمل لصالح فرانكو.

ولكن فرانكو لم يستطع السيطرة على الفيفا، الذي تجاهل الدوري الكولومبي غير المعتمد، ووافق على صفقة برشلونة، حتى أنه سمح لداي ستيفانو باللعب لبرشلونة في مباراتين وديتين. ولكن استغل فرانكو سيطرته على الدولة، فعندما اقترب برشلونة من حسم الصفقة، أصدرت الهيئة التشريعية الإسبانية قانونًا يحظر شراء اللاعبين الأجانب؛ مما يُرجع الصفقة مرة أخرى في أيدي فرانكو. ونظرًا لطبيعة القانون الجديد، تدخل الاتحاد الإسباني لكرة القدم واقترح تناوب دي ستيفانو سنويًا بين الناديين.

رضخ رئيس برشلونة مارتي كاريتو للاتفاق بشكل مفاجئ؛ مما عزز أكثر الأقوال التي تتهم كاريتو بالعمل لصالح فرانكو. وسرعان ما استقال من منصبه تحت ضغط مكثف من الفريق الكاتالوني، الذي رفض أي اتفاق يربط ناديهم مع الأيديولوجية القومية لفرانكو. ثم سلم مجلس الإدارة المؤقت كامل حقوق دي ستيفانو إلى ريال مدريد، في مقابل سداد المبلغ المدفوع لليفربليت.

وبعد إتمام انتقال دي ستيفانو لريال مدريد بشهر سجل الأسطورة الأرجنتينية في أول كلاسيكو له ضد برشلونة أربعة أهداف، وفاز ريال مدريد (5-0). وخلال مسيرته مع ريال مدريد حصل دي ستيفانو على ثمانية ألقاب بالدوري الأسباني، وخمس كؤوس الأندية الأوروبية متتالية (دوري أبطال أوروبا حاليًا) وجوائز أخرى.

وقد تدل واقعة دي ستيفانو على مدى شهرة ارتباط فرانكو بريال مدريد ودي ستيفانو، إذ اختَطفت إحدى الجماعات الثورية في فنزويلا دي ستيفانو في ليلة 24 أغسطس (آب) 1963 في مدينة كاراكاس، حيث كان ريال مدريد يُجري جولة تحضيرية قبل بداية الموسم في أمريكا اللاتينية، وكانت عملية الخطف ردًا على إعدام الشيوعي جوليان جريماو على يد فرانشيسكو فرانكو، لكن أطلق سراح اللاعب بعد عملية الاختطاف بيومين أمام السفارة الإسبانية.

كيف استخدم فرانكو سلاح كرة القدم على الصعيد الدولي؟

بعد أن استخدم ريال مدريد كأداة سياسية ودبلوماسية، لرفع شعبيته وقمع معارضيه داخليًا، ولتقديم صورة رائعة لإسبانيا على الساحة الأوروبية، بدأ فرانكو في استخدام سلاح كرة القدم على الساحة الدولية.

بطريقة مشابهة لاستخدامه لريال مدريد، قام فرانكو بتجنيس أفضل اللاعبين في العالم، مثل كوبالا، ودي ستيفانو، وبوشكاش، لعرض صورة إيجابية عن إسبانيا بالعالم، وبالتالي تعزيز مركزه في السلطة. فقد شجع لاعبي كرة القدم، مثل فيرينك بوشكاش، على القدوم لإسبانيا، حيث كان العديد من اللاعبين ينشقون عن الدول الشيوعية.

ونتيجة لذلك، فإذا أُجبرت إسبانيا على اللعب ضد الاتحاد السوفييتي، فإن الأمر سيكون أكثر من مجرد مباراة كرة القدم، وخصوصًا بعد انسحاب فرانكو من بطولة كأس الأمم الأوروبية في عام 1960؛ لتجنب الهزيمة ضد الفريق السوفياتي القوي آنذاك، حيث إن الهزيمة من الاتحاد السوفيتي الذي قدم الذخيرة للجمهوريين اليساريين الكاتلونيين خلال الحرب الأهلية سيكون لها طابع سياسي كبير.

ولكن في عام 1964 كان الانسحاب مستحيلًا لأن إسبانيا هي التي تستضيف البطولة، ووصل المنتخبان لنهائي كأس الأمم الأوروبية، وبسبب الأجواء السياسية كانت المباراة أشبه بمعركة بين الفاشية والشيوعية على أرض ملعب كرة قدم. وحضر فرانكو المباراة وتوعد فريق بلاده بالعقاب الشديد إذا خسروا أمام الاتحاد السوفيتي، ولكن إسبانيا فازت على الاتحاد السوفيتي بنتيجة 2-1 في المباراة النهائية؛ مما عزز صورة نظام فرانكو كقاهر للشيوعية التي كانت تمثل العدو الأبرز للغرب في هذا الوقت.

وكالات / إسبانيا بالعربي.

أخبار جوجل نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *