شؤون إسبانية

كيف يعمل الأجانب في الحقول في ظل جائحة كورونا؟ إسبانيا بالعربي يزور العمال وينقل انشغالاتهم

انطلق موسم جني الفواكه بمدينة ليريدا الواقعة في كتالونيا شمال شرق إسبانيا هذه السنة في ظروف استثنائية يطبعها التفشي المتزايد لكوفيد 19 وارتفاع ضحاياه، وهو ما أثر سلبا على نسبة العمالة، وضاعف مخاوف أرباب العمل جراء التقلبات الجوية، حيث تضررت محاصيل آلاف الهكتارات من تساقط الأمطار والرياح التي ضربت المنطقة  في عز فصل الصيف.

ولسد العجز الذي طال اليد العاملة، تم اللجوء إلى العمال الموسميين الوافدين للمشاركة في حملة جني الفواكه، وكان نصيب الجالية العربية محتشما أمام الكم الهائل لليد العاملة الإفريقية ناهيك عن العمالة القادمة من آسيا وأوروبا الشرقية.

 لكل مغترب مع العمل الموسمي حكاية

فريد، هو جزائري خمسيني حكايته تختزل ربما يوميات العشرات من أقرانه، فتفاصيل يومياته تكاد تكون نسخة أصلية ليوميات جمال، أحمد وغيرهم ممن فتحوا لنا قلوبهم للحديث عن ظروف العمل في عز الجائحة.

رزنامة فريد أضحت آلية، كل شيئ فيها بات مألوفا فهو لا يتطلع إلى جديد قد يغير من حياته المهنية، فالظفر بعقد عمل دائم أضحى حلما صعب المنال، رغم أنه يعيش في إسبانيا منذ أزيد من 20 سنة.

وفي ظل انتشار بؤر جديدة لفيروس كورونا المستجد، بدأ الخوف يتسرب إلى قلوب العمال الموسميين مع إمكانية  انتقال العدوى في الحقول لكنه يبقى مجرد خوف يقول فريد فالحاجة تؤجله إلى حين.

و”عندما يتذكر الفرد منا ماعليه من واجبات تجاه أسرته، يصبح العمل في مثل هذه الظروف رسالة لا بد من تأديتها، فنحن نعمل ما بوسعنا حتى نتحاشى الالتصاق فالعمل في الحقول صعب خاصة في ظل التقلبات الجوية إذ غالبا ما نضطر إلى مضاعفة الجهد لإنهاء العمل لكن مقابل أجر ضئيل لا يتعدى 6 يورو للساعة”، يقول فريد.

أحمد هو رب عائلة من المغرب يقول “اعتدت على العمل الموسمي رغم أن الأجر زهيد لكن يبقى أفضل من أن يبقى المرء من دون دخل لأن المساعدات التي نتحصل عليها شهريا غير كافية وليست قارة”.

   ويضيف: “الكثير من العمال لا يملكون سيارة لذا نضطر إلى دفع مستحقات النقل، وإذا كانت ساعات العمل قليلة بسبب التقلبات الجوية، فإن ما نجنيه خلال شهر لا يسد حاجيات 15 يوما. تخيلي احتياجات عائلة متكونة من خمسة أفراد”.

 .استوقفت أحمد لبرهة، لكن ماذا عن إمكانية انتقال العدوى؟

بنبرة حزينة رد أحمد “وماذا علينا أن نفعل؟ جميعنا ننتظر هذه الحملة بفارغ الصبر. للأسف هذه المرة جاءت في عز أزمة كورونا، لكننا ملتزمين بالإجراءات الوقائية وإن قدر الله ومسنا الضر فنتمنى أن تكون الإصابة خفيفة حتى نتمكن من العودة إلى العمل”.

هل معنى هذا أن هناك من أصيب بالعدوى ؟

يجيب أحمد “نعم، منذ انطلاق حملة جني الفواكه إلى غاية اليوم تم تسجيل عشرات الحالات الحاملة للفيروس أغلبها سجلت في أوساط الأفارقة الذين كانوا يتقاسمون نفس الغرفة”.

أما جمال فقصته لا تختلف عن قصة زملاءه في الحقل،  يقول “الحاجة تدفع بنا للعمل حتى في هذه الظروف الصعبة، هناك الكثير من رفض العمل في حملة هذه السنة. الخوف حق مشروع لكن للذي يملك أطفال في سن التمدرس ماذا عليه أن يفعل؟”.

كم ساعة تعمل في اليوم؟

جمال: “نبدأ العمل على الساعة 7 صباحا حتى 13:30، لدينا فسحة من الوقت على 10 صباحا لمدة 15 دقيقة نستريح خلالها ثم نعود للعمل من الساعة 14:30 إلى غاية 7 مساءا”. 

ويضيف: “نعمل حتى عشر ساعات في اليوم. إن أصعب ما نواجهه هو العمل تحت أشعة الشمس الحارقة لكن إذا كانت مرتفعة جدا يتوقف العمل على الساعة 14:30 زوالا”.

تركنا فريق الرجال يجابه ظروف العمل في الحقول تحت أشعة الشمس الساطعة وتوجهنا نحو الجنس اللطيف.  وجهة العديد من هن مستودعات فرز الفواكه تصنيفها وتعليبها.

وممن تحدثن إليهن أغلبهن لهن دراية بشروط العمل أولها تقول ليلى من الجزائر أن “تتسم العاملة بالخفة، حترام الوقت وقلة الكلام أثناء العمل”، وهي قوانين قبلن العمل والامتثال لها حتى لا تضيع منا فرصة العمل.

تجربة آسيا بعمر أربع سنوات تعمل قرابة العشر ساعات يوميا بنظام التناوب، عن الخوف من إمكانية انتقال العدوى تقول: “لقد أصبح الخوف يلازمني يوميا الكابوس نعيشه ليل نهار”.

ومنذ بداية العمل شهر ماي/ أيار أكثر من 60 عاملا تم توقيفهم ما بين نساء ورجال معظمهم امتثلوا للحجر الصحي المنزلي.

هل هناك إجراءات احترازية لحماية العمال؟

تجيب آسيا: “نعم، في كل يوم قبل الدخول إلى المستودع يتم قياس درجة حرارتنا وفي بعض الأحيان تقاس مرتين في اليوم”.

وتضيف: “فحتى وإن كانت النتائج سلبية تجديننا نتنفس الصعداء عندما تمر مرحلة الأربعة عشر يوما بسلام، لكن سرعان ما يتسلل الخوف إلى قلوبنا من جديد، ولا توجد أكثر تداولا على الألسن إلا هذه الكلمة على من الدور مستقبلا؟”.

هنا تتدخل ليلى -من المغرب-، فقصتها مغايرة وضعها اليوم يحتاج إلى الكثير من الحيطة والحذر ، فقد اكتشفت أنها حاملة لفيروس كورونا وهي حامل في الشهر الخامس.

ورغم أنها امرأة حريصة على تطبيق التباعد الاجتماعي وعلى وضع الكمامة، ورغم أن معقم الأيدي لا يفارق حقيبتها، إلا أنها تفاجأت عندما أخبرها الطبب أنها حاملة للفيرس.

وتقول ليلى: “أصبت بهذا الوباء ولا أعرف لحد اللحظة من أين انتقلت لي العدوى، الغريب أن زوجي نتائج تحاليله سلبية”.

وتضيف ليلى: “كنت دائما أقول لزوجي قلل من الخروج فأنت تعرض نفسك للعدوى وفي آخر المطاف أنا التي أصبت به”.

وتذكر ليلى أنه “بعد ظهور التحاليل الإيجابية، طلب مني الطبيب المكوث في البيت 14 يوما وخوفا من إمكانية تدهور وضعي الصحي طبقت حجرا صحيا صارما آكل بمفردي أما زوجي فقد أصبح يقضي معظم الوقت خارج المنزل”

وتخلص ليلى بالقول “حمدا لله وضعي الصحي تحسن لكن هاجس الخوف من إمكانية العدوى بقي يلازمني، خاصة  عندما صرح لي الطبيب أن الأمور هذه المرة تمت بخير، لكن مستقبلا إذا أصبت من جديد فالأمور قد تأخذ منحى آخر”. وتضيف “أنا مطالبة بالعودة إلى العمل الأسبوع المقبل لكن الخوف  يتملكني فحملة جني الفواكه لا تزال متواصلة، والوباء لا زال يحصد أرواحا وقائمة المصابين الجدد تظل مفتوحة أمام الكشف اليومي عن البؤر النشطة”.

إعداد: نادية دراجي

تابعونا على

تويتر

فيسبوك

الواتساب

إنستغرام

تيليغرام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *