الموسوعةمن عبق التاريخ

لالة فاطمة نسومر.. ابنة الزاوية التي قادت المقاومة الجزائرية ضد الفرنسيين

لعلّ قيادة الرجال للمواجهات العنيفة أمر معهود في التاريخ، لكن أن تقود امرأة صفوف الرجال من أجل الجهاد ضد الاستعمار، في مجتمع قبليّ ومحافظ، فهذه قصّة تستحقّ أن تُحكى، إنّها قصّة لالة فاطمة نسومر، راعية زاوية ورجة الرحمانية، وزعيمة الجهاد ضد الاستعمار في منطقة زواوة.

المولد والنشأة

وُلدت لالة فاطمة نسومر، سنة 1246ه/ 1830م -نفس السنة التي دخلت فيها قوّات الاحتلال الفرنسيّ الجزائر- تربت نشأة دينية ولها أربعة إخوة أكبرهم سي الكاهر، أبوها الشيخ الطيب، شيخ زاوية ورجة الرحمانية. وقد تزوّجت وهي بنت 16 سنة، لكن زواجها لم يوفّق فعادت إلى أهلها وقد رفض زوجها تطليقها، فبقيت تحت عصمته.

بعد وفاة والدها، تكفّلت بالزاوية وأصبحت مع أخيها راعيتها والمسؤولة عن شؤونها وطلاّبها. وفي أواخر سنوات الأربعينيات من القرن التاسع عشر، شهدت منطقة زواوة توافد العديد ممّن يُدعوْن بالأشراف، وهم رجال متصوّفون كان بعضهم في جيش الأمير عبد القادر، وقد عزموا على تفجير الثورة من جديد في منطقة زواوة.

كرَّس حياته لاستقلال الجزائر.. من هو الفيلسوف الثائر «فرانز فانون»؟

تتحلّى منطقة زواوة بصفات جغرافيّة وسكّانية فريدة جعلتها بعد 20 سنة من احتلال القوّات الفرنسيّة للعاصمة الجزائريّة تبقى دون أن تدخلها قوّات الاحتلال الفرنسيّ، إذ تُعرف بجبال جرجرة العالية ووديانها ومسالكها الوعرة ممّا يجعلها المنطقة المثاليّة لأيّ عمل مسلّح وحرب العصابات.

رسم للبطلة لالة فاطمة نسومر
لوحة للبطلة لالة فاطمة نسومر

بطولات لالة فاطمة نسومر

عندما جاء الشريف محمد الهاشمي «بومعزة» إلى منطقة زواوة سنة 1849 من أجل إشعال الثورة بعد أن كان في جيش الأمير عبد القادر، أراد حشد الجهود الشعبيّة في المنطقة، فاتّصل بقياداتها المحليّة من أجل جمع المال والرجال والعتاد، وقد كانت زاوية لالة فاطمة نسومر إحدى وجهاته من أجل حشد الدعم

لم تقف جهود لالة فاطمة عند هذا الحد، ففي السابع من أبريل (نيسان) سنة 1854، شاركت مع «بوبغلة» في معركة في وادي سيباو، وتشير بعض المصادر التاريخيّة إلى أنه أصيب بجراح بليغة وكاد يقع تحت الأسر، إلاّ أن فاطمة نسومر استطاعت إنقاذه بأعجوبة، لتنتهي المعركة بانتصار المقاومين الجزائريين.

كيف ومتى احتل الإسبان مدينة وهران الجزائرية؟

في 17 من يونيو (حزيران) سنة 1854، وقعت معركة تاشكيرت بين الفرنسيين في محاولة للسيطرة على قرى منطقة وادي سيباو، وبين فاطمة نسومر التي قادت قوّات المجاهدين، ورغم تفوّق الفرنسيين في العدّة والعتاد إلاّ أنّ المجاهدين استغلّوا معرفتهم بالتضاريس الجبليّة الوعرة؛ وردّ العدوان الفرنسيّ

عادت القوات الفرنسية في مايو (أيّار) سنة 1957 قاد الجنرال راندون حملة عسكريّة كبيرة من أجل اقتحام جبال جرجرة والسيطرة عليها، فاحتلّ قرى منطقة الأربعاء ناثيراثن وارتكبت القوات الفرنسيّة مجازر في حقّ السكان المحليّين، وبسقوط هذه المنطقة، أصبحت السيطرة على جرجرة مسألة وقت فقط
جمعت لالة فاطمة نسومر المجاهدين من مختلف العشائر والقبائل للهجوم على الفرنسيين، واندلعت معركة «إيشريضن» التي قادتها لالة فاطمة من جهة، والجنرالات الفرنسيّون راندون، من الجانب الفرنسيّ، ورغم استبسال جيش أهالي جرجرة، فقد خسر وأجبر على الخضوع للمفاوضات من أجل وقف القتال.

يوم هاجر الإسبان إلى الجزائر للنجاة بأنفسهم

اتّفق الطرفان على الهدنة مقابل شروط منها: أن تنتشر القوات الفرنسيّة خارج التجمعات السكنيّة، وأن لا يُحاكم قادة الثورة. وافق الجانب الفرنسيّ على هذه الشروط، لكن وما إن غادر الوفد مكان الاجتماع حتّى أمر راندون بإلقاء القبض عليهم، ثم وقعت فاطمة نسومر في الأَسر هي ومجموعة من النسوة.

نقلت لالة فاطمة نسومر إلى زاوية في منطقة تابلاط هي وبعض النسوة المرافقات لها، وبقيت في الحراسة المشدّدة هناك إلى أن توفيت بعدها بستّ سنوات في سنة 1863، وقد دُفنت هناك، ليتمّ بعد الاستقلال نقل رفاتها إلى مقبرة العالية بالجزائر العاصمة ويضرب باسمها المثل في الشجاعة والقيادة.

إسبانيا بالعربي.

أخبار جوجل نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *