رياضة

لخضر بلومي.. أسطورة الجزائر الذي لم يهزمه في الملاعب سوى حظّه

قد لا يعرف الكثير من الأجيال المتابعة حاليًا لكرة القدم الأفريقية: لخضر بلومي، بقدر معرفته بنجوم منتخب الجزائر الحاليين يوسف البلايلي أو رياض محرز؛ غير أنّ الأسطورة الجزائرية الذي أضاف لقاموس كرة القدم تقنية «التمريرة العمياء» – وهي أن يعاكس اللاعب جهة نظره وتمريره – كتب فصولًا عريضة من تاريخ الكرة الجزائرية والأفريقية؛ وجعل كبرى الأندية الأوروبية تتسابق من أجل انضمامه إليها، ولم يهزمه في الكرة سوى حظه!

لخضر بلومي: موهبة كروية خرجت إلى النور سريعًا

في 29 ديسمبر (كانون الأوّل) 1958، وبينما كانت الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي في أوجّ قوتها؛ وُلد لخضر بلومي في مدينة معسكر – إحدى ولايات غرب الجزائر – لعائلة بسيطة كحال معظم العائلات الجزائرية سنوات الاحتلال، فقد كان والده البشير يعمل فلاحًا بمزرعته في أطراف مدينة معسكر قبل أن يبشّر بولادة ابنه الأصغر لخضر. 

فُتن الطفل بسحر كرة القدم مبكرًا؛ فانضمّ لنادي أولمبي سامباك – إحدى نوادي الدرجة الثالثة – وهو في سنٍ صغيرة؛ ولم يكد يبلغ من العمر 16 سنة حتى ظهر لأول مرة مع الفريق الأول في مباراة ناديه أمام عامرية وهران، والتي انتهت بفوز رفقاء لخضر بلومي بثلاثية نظيفة.

نجم البرازيل فالكاو يعرقل لخضر بلومي خلال مباراة الجزائر والبرازيل
نجم البرازيل فالكاو يعرقل لخضر بلومي خلال مباراة الجزائر والبرازيل في مونديال المكسيك 1986 – المصدر: Getty Images

ولتخفيف العبء المالي لعائلته، انتقل لخضر بلومي إلى نادي صفاء الخميس وهو نادي من مدينة خميس مليانة – ولاية عين الدفلى في وسط الجزائر – الذي ينشط في دوري الدرجة الثانية الجزائري، وهناك بدأت الأضواء تسلط على الموهبة الجزائرية الصاعدة؛ لينضم إلى المنتخب الجزائري للناشئين لأوّل مرة. في تلك الفترة كانت الكرة القدم الجزائرية تشهد أولى إنجازاتها الدولية بتتويج الجزائر بالميدالية الذهبية لألعاب البحر المتوسط في كرة القدم والتي احتضنتها الجزائر بعد الفوز على فرنسا في النهائي سنة 1974. 

إنتقل بلومي في سنة 1976، للعب في الفريق الذي لطالما عشقه وكان يحلم بارتداء قميصه؛ وهو فريق مدينته غالي معسكر (واحد من أقوى الفرق الجزائرية الناشطة في الدوري الجزائري خلال فترة السبعينات والثمانينات)، وبعد سنة واحدة انتقل بلومي للعب في صفوف فريق مولودية وهران وهو ابن 19 عامًا .

شهد عام 1978 استدعاء المدرب الجزائري رشيد مخلوفي اللاعب لخضر بلومي إلى تشكيلة الفريق الجزائري لأول مرة، وكانت أول مباراة له مع منتخب بلده يوم 22 أكتوبر (تشرين الأول) 1978 في بلانتيري بمالاوي في مباراة ودية أمام منتخب مالاوي والذي انتهى بالتعادل (1-1). وخلال موسم 1978- 1979 الكروي، برز لخضر بلومي كأحسن هداف في الدوري الجزائري.

قاد لخضر بلومي المنتخب الجزائري في سبتمبر 1979 في دورة ألعاب البحر المتوسط بسبليت في يوغسلافيا للفوز بالميدالية البرونزية بعد الفوز على اليونان في اللقاء الترتيبي وسجل بلومي في الدورة أهداف هامة وعُين ثالث أحسن لاعب في هذه البطولة بحصوله على جائزة الدب رمز هذه الألعاب.

مونديال 1982.. أحرف من ذهب

على مستوى كأس العالم جاءت تصفيات مونديال 1982 وأهّل لخضر بلومي وحده المنتخب الجزائري إلى مونديال إسبانيا حيث سجل هدف واحد ضد سييراليون في الدور الأول وهدفين ضد النيجر في الدور الثالث وسجل في الدور الأخير هدفين ضد نيجيريا الأول في لاغوس حيث فاز المنتخب الجزائري 2-0 والثاني في مباراة العودة في قسنطينة كما أنه مرّر كرة الهدف الثاني لرابح ماجر وانتهت المباراة بفوز المنتخب الجزائري بنتيجة 2-1 حيث كان تأهل تاريخي لأول مرة إلى كأس العالم.

حصل بلومي على الكرة الذهبية الإفريقية كأفضل لاعب إفريقي عام 1981. ويجزم الكثيرون ممن عرفوا لخضر بلومي في الملاعب بأنه من أحسن ما أنجبته الكرة الجزائرية والعالمية حيث لا يوجد لاعب جزائري بمثل مهاراته وفنياته وتحكمه في الكرة.

شارك بلومي في نهائيات مونديال 1982 بإسبانيا وقدم أحسن مشاركة عربية وإفريقية آنذاك حيث سجل بلومي هدف تاريخي ضد ألمانيا بعد 9 تمريرات دون أن يلمسها الألمان مباشرة بعد هدف تعادلهم الذي وقعه اللاعب رومينيغي. كما فازو على منتخب تشيلي. ولكن لولا تلاعب منتخبي ألمانيا والنمسا في اللقاء الأخير، لمرّت الجزائر إلى الدور الثاني، وهذا اللقاء التلاعبي أدى بتغيير قرار هام في الفيفا بلعب المبارات الأخيرة للدور الأول في أي منافسة ما في نفس الوقت.

بلومي ضد المانيا 1982
بلومي ضد ألمانيا مونديال 1982

ثم جاءت تصفيات مونديال 1986 بالمكسيك، ولكن في 1985 تعرض بلومي لإصابة ثانية خطيرة وشهيرة في طرابلس بليبيا من المدافع الدولي الليبي أبو بكر باني، كانت في إطار الدور الأول لمنافسة كأس أبطال إفريقيا بين غالي معسكر واتحاد طرابلس منعته من اللعب مدة ثمانية أشهر حيث أجرى عملية جراحية في الجزائر ثم في فرنسا، ولم يشارك في الأدوار الأولى للتصفيات، كما غاب عن نهائيات كأس أمم إفريقيا 1986 بمصر.

ولكن عودته في تصفيات المونديال كانت في الوقت المناسب، في لقاء الدور الأخير أمام منتخب تونس حيث قاد المنتخب للفوز على تونس بـ4-1 في تونس العاصمة وبـ3-0 في الجزائر العاصمة، تبعها التأهل الثاني على التوالي للجزائر. أصيب بعدها بلومي مجددا في البطولة الوطنية، ولم يعد إلا في شهر أبريل 1986 على بُعد شهريين من كأس العالم، وشارك في المونديال حيث قدم منتخب الجزائر لقاء تاريخي أمام برازيل زيكو وسقراط.

وأخيرا جاءت تصفيات مونديال 1990 بإيطاليا، ووصل بلومي مع المنتخب إلى الدور الأخير من جديد وللمرة الثالثة على التوالي، ولكنهم خرجو في هذا الدور ضد منتخب مصر، ولعب بلومي آنذاك آخر مباراة دولية له في القاهرة في لقاء العودة، كانت يوم 17 نوفمبر 1989.

قضية 17 نوفمبر 1989

حينما نغوص في تاريخ المواجهات بين مصر والجزائر يستوقفنا لقاء القاهرة 17 نوفمبر 1989 في إطار لقاء الإياب من الدور الأخير لتصفيات مونديال إيطاليا 1990 وهو إتهام لخضر بلومي بفقئ عين الطبيب المصري أحمد عبد المنعم فقد كان إتهامه عن الباطل وظل متابع قضائيا من طرف العدالة المصرية لمدة ناهزت عن الـ18 سنة إلى أن تدخلت السلطات العليا بالجزائر لحل هذه القضية على رأسها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وفي عام 2009 تمّ إصدار قرار بإسقاط الحكم والعفو نهائيا عن لخضر بلومي أدى بالطبيب المعني بالقضية التنازل عن حقوقه وسحب قضيته ضد لخضر بلومي الذي كان في الحقيقة بريئا من هذه التهمة وأصر بلومي دوما أنه بريء طيلة الـ20 سنة.

مواجهة الوداع

خاض لخضر بلومي آخر لقاء له مع المنتخب الوطني الجزائري أمام المنتخب الإيطالي في لقاء ودي جرى بايطاليا مباشرة بعد لقاء مصر في تصفيات مونديال ايطاليا 1989 وانتهى بفوز ايطاليا بهدف لصفر لتنتهي ملحمة بلومي مع المنتخب الوطني عن عمر يناهز الـ31 سنة وقد حرم من المشاركة في كأس أمم إفريقيا التي جرت بالجزائر عام 1990 بعد أن رغب في لعبها.

أخبار جوجل نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *