من عبق التاريخ

طرابلس.. بنغازي..درنة.. الأندلسيون والموريسكيون في ليبيا

أخبار إسباتيا بالعربي – قد تبدو ليبيا بعيدةً عن المجال الجغرافي الأندلسي وارتداداته ومشاكله وهموم سُكَّانه، لكن التاريخ والآثار العمرانية الأندلسية الطابع تقول العكس تماما وتؤكِّد أيضا أن الأندلسيين والموريسكيين بلغ بعضُهم حدَّ تولِّي حُكْم طرابلس ذاتها.

وإذا كان هذا البلد لم يحتضن، على ما يبدو، أعدادا من الأندلسيين/الموريسكيين بنفس مستوى أهمية موجات اللاجئين الذين تدفقوا على المغرب والجزائر وتونس، إلا أنه استقطب اهتمام مجموعات تُقدَّر بالآلاف، على الأقل، من هؤلاء اللاجئين منذ سقوط غرناطة وإلى غاية الطرد النهائي في بداية القرن 17م من الأندلس المُنَصَّرة بقوة الحديد والنار.

روايات عن الهجرات الأولى من الأندلس

وإذا غابت الكتابات المُوثَّقَة عن هذه الفترة بشأن وصول الأندلسيين إلى الأراضي الليبية، فإن بعض الروايات حول الهجرات الأندلسية الأولى إلى هذا البلد ما زالت تُتَدَاوَل لدى عدد من العائلات التي تقول إنها تنحدر من صُلب هؤلاء الرواد. من بينهم عائلة بن طاهر المنحدرة من قبيلة الطّْوَاهَرْ التي تتوزع على مختلف المدن الليبية على غرار دَرْنَة وطرابلس والتي تَعْتَبِرُ نفسَها قديمة الهجرة إلى ليبيا ومنحدرة من نَسَل ذلك الرعيل الأندلسي الأول الذي حَلَّ في البلاد حوالي القرن 7 الهجري/13م.

1665604271354

بعضُ نَسَل أُسْرة بن طاهر يقولون إنهم ينحدرون من محمد بن النّفيسة أبي النبيه الأنصاري الخزرجي الأزدي القحطاني الذي قَدِمَ من الأندلس للعيش في طرابلس بعد مرورٍ على كوية الملّ، الاسم القديم لبنغازي، وبرسس ثم درنة . وقد ينحدر منها أيضا آل عَمِّيشْ والفقير والبَكْشِيشِي والمصراتي وبوشُوشَة وآخرون.

الموريسكيون في ليبيا

إقليم برقة

في مرحلة لاحقة ومع حلول القرن 17م وساعة الطرد النهائي من إسبانيا تحديدا، حطت بعض الجماعات الموريسكية الرِّحال في طرابلس ودرنة في إقليم بَرْقَة، شمال شرق ليبيا، والتي كانت أهم حواضر البلاد التي احتضنت اللاجئين الأندلسيين، واستقر قسمٌ منهم في بنغازي.

ولعل من أهم الشخصيات الموريسكية التي لم يندثر أثرها بعد في الذاكرة الجماعية الليبية قاسِم باشا الذي تَمَكَّن من توَلِّي حُكْم العاصمة الليبية الحالية طرابلس لفترة قصيرة خلال العهد العثماني بعد مقتل مصطفى الشَّريف دايْ في مؤامرة من مؤامرات ودسائس القصر.

وكان قاسم باشا من الموريسكيين الذين لجأوا من اضطهاد محاكم التفتيش في إسبانيا إلى الأستانة قبل أن يتحوَّل بعد إقامته في عاصمة الإمبراطورية العثمانية إلى العمل ضمن القوات الإمبراطورية في الأراضي الليبية حيث ارتقي في سُلّمها ليصبح قائدا للإنكشارية في طرابلس.

وعندما خَلَفَ مصطفى الشريف داي على حُكم هذه الإيالة من 1630م إلى 1632م، أحاط قاسم باشا نفسَه بالأندلسيين/الموريسكيين.

الكاتب الليبي الدكتور فرج نجم يؤكد أن قاسم باشا عندما كان في برقة استسمح الباب العالي في استقدام أندلسيين/موريسكيين من طرابلس وتونس إلى منطقته، وتَلَقَّى الضوء الأخضر من السلطان العثماني.

وما زال المنحدرون من موريسكيِّي برقة يستوطنون ليبيا إلى اليوم على غرار عدد من الأُسَر في العاصمة طرابلس، من بينهم عائلة العَسْعُوْس التي تُسَمَّى أيضا بـ: آل النائب الأنصاري، وبن زكري، والقَرْقَني، وأفْطِيسْ، والبهلول، وبن قنُونُو، والطشاني، تُضاف لها أسرة عبد المالك المصراتية، والأندلسي، والقاضي في بنغازي. مثلما توجد في درنة عائلات أخرى من أصل أندلسي على غرار المؤدب، والإمام، وزيتون، وبن فاضل، وعزوز، والبنَّاني، وبيت زائد الذي ينتمي لقبيلة الشّواعر.

كما تُتَداوَل حكايات في ليبيا عن عائلات أخرى متعددة ذات أصول أندلسية/موريسكية في ورشفانة القريبة من طرابلس كعائلات قبيلة أولاد حرب، وهي الأصواب واللّوافي والأذياب والأهواش.

عائلات ليبية من أصل أندلسي

الكاتب الليبي يذكر عددا من الأُسَر الأندلسية/الموريسكية المنتشرة عبْر التراب الليبي وليس في طرابلس فحسب قائلا إن “ثمة روايات شعبية متواترة تقول بأنهم وافدون من الأندلس مثل أولاد حرب من سكان ورشفانة (…) وبعض العائلات الطرابلسية مثل العسعوس التي تُعرَف بـ: آل النائب الأنصاري في طرابلس وبن زكري والبهلول وبن قنونو والقرقني وأفطيس والطشاني وعائلة عبد الملك المصراتية والدلنسي (الأندلسي). وعائلة القاضي في بنغازي. وفي درنة (…) آل المؤدب والإمام وزيتون (وهم من الذين انقرضوا لأسباب لا نعرفها) وبن فاضل وعزوز والبَنَّاني، وغيرهم كبيت زائد في قبيلة الشواعر”.

1665604277515

ويوضح فرج نجم مُعزِّزًا رأيه بموقف الأستاذ المصراتي قائلا إن “أهل درنة لديهم صناعات حضارية رقيقة فيها ذوق ودقة وجمال…ومنها تقطير الزهور الذي هو عادةٌ أندلسية. ويضيف الأستاذ المصراتي في وصف الأندلسيين في كتابه عن جمال الدين الميلادي فيقول: “ظهر أثرُ التواشيح الأندلسية في فنِّ الليبيين، تُعرَف بين الليبيين بنوبة المالوف نغما..وإيقاعا..ومحاكاة..ونظما..في حفلات السهريات والأناشيد والطبوع الغنائية…

وقديما، كان واضحا للدارسين أثر الأندلسيات في المجتمع الليبي، سواء من ناحية فن الموشحات أو التعابير، واللهجة، والهندسة، والمعمار، وبعض المطاعم والزي، وفن الزخرفة والأقواس والزليز” (أيْ الزلِّيج)، وهي كلها مواصفات يَذْكُرُها فرج نجم للتدليل على الأصول الأندلسية لِلَّذِين أتوا بهذه التقاليد الفنية والصناعية إلى ليبيا.

المصدر: فوزي سعد الله: الشتات الأندلسي في الجزائر والعالم. دار قرطبة. الجزائر 2016م.

إسبانيا بالعربي

أخبار إسبانيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *